هل تطيح انقسامات قسد بالاتفاق مع الحكومة السورية؟

في تطور ميداني خطير يعيد خلط الأوراق في شمال سوريا، شهدت قرية الكيارية بريف منبج الشرقي قصفا مدفعيا وصاروخيا نفذته قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أسفر عن إصابة 7 أشخاص، بينهم 4 من عناصر الجيش السوري ووفقا لوكالة الأنباء السورية “سانا”.

وأفادت وزارة الدفاع السورية بأن الجيش تصدى لمحاولة تسلل قامت بها مجموعات من “قسد” باتجاه نقاط عسكرية قرب المنطقة، واصفة التحرك بأنه “اعتداء غير مسؤول ولأسباب مجهولة”.

وأكدت الوزرة أن قواتها ردت بضربات دقيقة استهدفت مصادر النيران، بما في ذلك راجمة صواريخ ومدفع ميداني في محيط مدينة مسكنة شرق حلب.

يأتي هذا التصعيد المفاجئ بعد أشهر قليلة من إعلان “اتفاق 10 مارس/آذار“، الذي أتاح تنسيقا مشتركا محدودا بين “قسد” والحكومة السورية لتثبيت الاستقرار في مناطق التماس.

ويثير الحادث تساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتفاق في ظل التوترات الميدانية والتفاوضية، مع تزايد الضغوط الدولية والانقسامات الداخلية داخل “قسد”.

وحاولت التصريحات الصادر عن “قسد” تفسير الحادث كجزء من ديناميكيات المنطقة اليومية، مع التأكيد على استمرار الالتزام بالاتفاق رغم التحديات.

شرارة الأحداث

وأوضح مصدر عسكري في “قسد” للجزيرة نت أن الحادثة بدأت بقذيفة دبابة أطلقت من مناطق سيطرة الحكومة السورية نتيجة ملاحقة عناصر الجيش لمهربين دخلوا مناطق “قسد”، مما دفع قواتهم للرد وتطور إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.

وأضاف أن هذه الحادثة “عادية” وأنها لا تعرقل اتفاق 10 آذار، حيث وافق قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي على الخطوط العريضة لتنفيذه، لكنه يحتاج إلى وقت أطول.

وأشار إلى ضغوط المبعوث الأميركي توم براك على قيادة “قسد” للاندماج مع قوات الحكومة مع تقديم تنازلات كبيرة.

اجتماع باريس

من جهته، يسلط الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية والإقليمية محمود علوش الضوء على الأبعاد السياسية والتفاوضية للتصعيد، مشيرا إلى أن الأطراف تستخدم التوترات لتعزيز مواقعها قبل جولات الحوار المرتقبة.

وقال علوش للجزيرة نت إن التصريحات المتضاربة بين “قسد” ودمشق تعكس سعي كل طرف لتعزيز أوراقه التفاوضية قبل اجتماع باريس.

وأضاف أنه لا يمكن تحديد الأسباب الدقيقة للتصعيد، “لكن من الواضح أن كل طرف يحاول تحسين موقعه التفاوضي”، معتبرا أن قسد تمر بمرحلة صعبة وتتعرض لضغوط متزايدة، وقد يكون التصعيد أداة لمواجهة هذه الضغوط.

وأكد علوش أن المسار التفاوضي يظل الخيار الأكثر واقعية، مدعوما برعاية دولية، وأن التصعيد لن يغير هذا المسار ما لم يخرج عن السيطرة.

وأشار إلى حرص الولايات المتحدة على إنجاح التفاوض لتجنب تصعيد يعرقل خططها لتقليص وجودها العسكري ويمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، مع الحفاظ على تفاهماتها مع تركيا.

وشدد على أن بناء ثقة مستدامة بين “قسد” ودمشق معقد، لكن الانخراط الدولي من واشنطن وأنقرة حاسم لنجاح التسوية.

ضغط تفاوضي

بدوره، يكشف ماهر التمران -بصفته مسؤولا سابقا في الإدارة الذاتية- عن الديناميكيات الداخلية لـ”قسد” والتحديات التي تواجهها، وعكست تصريحاته للجزيرة نت تعقيدات المشهد السياسي والعسكري، مع التركيز على دوافع التصعيد وتأثيره على العلاقة مع دمشق.

وقال التمران إن هجوم “قسد” على الكيارية يحمل أبعادا داخلية كضغط تفاوضي لإعادة صياغة اتفاق 10 آذار، وخارجية كرد على “التهديدات التركية” وتراجع الدعم الأميركي.

وأشار إلى أن جناحا متشددا في “قسد” يرى الاتفاق تهديدا لمشروعه، مما يدفعها لتصعيد محدود لفرض شروط جديدة.

واعتبر أن رد الجيش السوري يحمل رسائل سيادية وردعا دون نية تصعيد، بينما تتجنب واشنطن استخدام أدوات ضغط مباشرة على “قسد” خشية الإخلال بالتوازن المحلي.

وأكد التمران أن “قسد” تسعى للحفاظ على استقلاليتها، لكن أي دمج يتطلب خطوات تدريجية وضمانات دولية متوازنة بين واشنطن وموسكو.

توتر في قسد

وفي السياق، ركّز الكاتب والصحفي السوري قحطان الشرقي على الانقسامات الداخلية في “قسد” وتأثيرها على تنفيذ اتفاق 10 آذار، وأوضح أن هناك توترات بين القيادات المختلفة داخلها، ولها تداعيات على العلاقة مع دمشق والقوى الدولية.

وقال الشرقي للجزيرة نت إن هناك انقساما واضحا داخل قيادة “قسد” بين تيار يدعم الاندماج بقيادة مظلوم عبدي وآخر مرتبط بقادة جبل قنديل يرفضه.

وأوضح أن عبدي وقّع الاتفاق تحت ضغط عسكري تركي ورغبة أميركية، بينما يسعى الطرف الآخر لعرقلته خوفا من فقدان دوره، معتبرا أن التصعيد الأخير يدل على هذا الانقسام، ومشيرا إلى أن مستقبل الاتفاق يعتمد على تفاهمات أميركية تركية.

واختتم بأن “قسد” أمام خيار الالتزام بالاتفاق أو مواجهة ضغوط متزايدة من تركيا وسوريا وحتى واشنطن.

Related Posts

“الحوثي” تعلن قصف مطار بن غوريون الإسرائيلي بصاروخ فرط صوتي

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، اليوم الثلاثاء، قصفها بصاروخ فرط صوتي مطار بن غوريون في تل أبيب وسط إسرائيل، وذلك في إطار دعم غزة التي تتعرض لإبادة جماعية وحرب تجويع. وقالت قناة المسيرة التابعة للجماعة: القوات المسلحة…

ترامب يلوّح بفرض عقوبات جديدة على روسيا.. ويشكك في جدواها

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، إن بلاده ستفرض عقوبات على روسيا في حال استمرت بحربها مع أوكرانيا. وصرّح ترامب للصحفيين في مطار ليهاي فالي الدولي في بنسلفانيا قائلا: “سنفرض المزيد من…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قد فاتك المحتوي

“الحوثي” تعلن قصف مطار بن غوريون الإسرائيلي بصاروخ فرط صوتي

“الحوثي” تعلن قصف مطار بن غوريون الإسرائيلي بصاروخ فرط صوتي

ترامب يلوّح بفرض عقوبات جديدة على روسيا.. ويشكك في جدواها

ترامب يلوّح بفرض عقوبات جديدة على روسيا.. ويشكك في جدواها

وزير يمني يتهم الحوثيين بتمويل الإرهاب عبر صناعة التبغ

وزير يمني يتهم الحوثيين بتمويل الإرهاب عبر صناعة التبغ

لماذا تستثمر إيران في تزويد الحوثيين بالقدرات العسكرية؟

لماذا تستثمر إيران في تزويد الحوثيين بالقدرات العسكرية؟

ايران وتسليح جماعة الحوثيين… مصادرة أكبر الشحنات العسكرية لجنوب اليمن

ايران وتسليح جماعة الحوثيين… مصادرة أكبر الشحنات العسكرية لجنوب اليمن

غزة تموت جوعا.. الأونروا تدعو لرفع الحصار لإنهاء المجاعة

غزة تموت جوعا.. الأونروا تدعو لرفع الحصار لإنهاء المجاعة